Hi quest ,  welcome  |  sign in  |  registered now  |  need help ?
تزامن صدور هذا العدد مع حدث تاريخ سوف يترك بصماته على مستقبل الوطن العربي، وهو انفصال جنوب السودان عن شماله، ما ينذر بتداعيات خطيرة تؤثر على المنطقة العربية برمتها، فيما لا تزال نار الثورات تجتاح ربوع المنطقة وتنادي بالتغير لكل الأنظمة الشمولية الحاكمة.
00000000000000000000000000000000000000000000000000000

Header Ad Banner

دنيا، ودلال، ومجتمع

Written By مجلة لوتس الإلكترونية on الأحد، 31 يوليو 2011 | 3:50 م

المجتمع رقعة في الدنيا، هي مساحة قماش واسعة والمجتمع رقعة عبرها. هو ثوبٌ يلف جسد أفراده يطوقهم بعرفِهِ وعاداتهِ ويفرضُ أفكارَه. كثرٌ مَنْ يرون في مساحةِ القماشِ اتساع، والأكثر هم مَنْ تضيق عليهم . كثرٌ مَنْ يرونها ثمينة؛ يمجدونها ويتفانون من أجلها، وقلائل من يزهدون بها ويرونها بخسة رخيصة.
مَنْ تضيقُ عليهم الدنيا يتنقلون ويتقلبون عبر أقطارها وألوانها. يوقنون أن كل ألوانها زاهية ما عدا الرقعة التي يحتلها مجتمعهم هى قاتمة سوداء عابسة.

من بين الرقع الكثيرة الزاهية والقاتمة والسعيدة والعابسة كان للمجتمع الذي تحياه "دلال" رقعة رديئة حِيكَتْ حولها بأيدٍ ماهرة. رغم رداءة القماش كانت الخيوط شديدة متينة،  فلم تستطع "دلال" أن تتغلب عليها فتُقطعُها وتخرج خارجها. ومهما استنفذت من طاقاتها وقدراتها تظل هذه الرقعة هي المتحكمة والحاكمة.

في محور هذه الرقعة عاشت "دلال" خاضعة لألوانها القاتمة ورائحتها الكريهة النتنة.
كنت أراقبها عبر حقب الزمن الجائرة، هى صغيرة، طفلة حائرة، لم تَلُمها كما الأطفال الآخرين أسرة وعائلة. أمها مطلقة، وأبوها من بعدِ أمها كان له الحق في الزواج من أخرى، وكما المعهود في زوجة الأب كانت ظالمة.
ونتيجة لظلمها انفصلت هى وزوجها - كما تناديه - فهو زوجها ولم يعد أباً لأحد.
انفصلت في بيتٍ مستقل وتركتْ "دلال" وأختها التي تكبرها ليعيشا وحيدتين في بيتٍ ضئيلٍ حقير هجرته الكرامةُ وعزةُ النفسِ واستوطنه سؤال الناس وأيدٍ ممدودة تستجدي من الدنيا كرماً فما أُعطيت هذه الأيدي سوى تشرداً
ومقتاً وحقداً.

ولأن المعطيات دوماً تأتي بناءً على المدخلات؛ كانت نتيجة حتمية أن تنشأ "دلال" فتاة تصرفاتها غير لائقة يسميها كل من حولها تصرفات سوقية (بجحة)، وفي أغلب الأحيان فاسقة.
في المدرسة - رغم صغر سنها - لم يؤوها قلبُ أي معلمة؛ فالشدة في عيونهن كانت واضحة. وأبى المجتمع أن يبرر إهمالها في دروسها وسوقية تعاملها بظروف حياتها البائسة. لم تعد "دلال" يوماً إلى بيتها لتجد فيه حضناً يدفئها أو حناناً يحواها بل جدران صامتة باردة واقفة لتحيط مساحة خاوية يسميها المجتمع منزل العائلة وتسميه "دلال" مركز الآلام الدائمة؛ ففي هذه المساحة الخاوية تذكر شجارات الاثنين اللذين في نظرها مجرمين وفي نظر المجتمع بحكم الجينات والدين.

لم تؤويها جدران المنزل كما لم تؤوها من قبل جدران المدرسة فقضت طفولتها تشرداً وتخبطاً بين العادات والدين، ولم تحترم أيٍّ منهما؛ فكيف لها أن تعرف الاحترام؟ ولم يسبق أن احترمها أحد. ممقوتة هى أينما ذهبتْ وأينما جاءت، تلمح المقت في وجوه الجميع أينما عيناها جابت. أبوها لم يكنْ لها يوماً أباً كما لم يكن لها يوماً سند. وأمها قُمعَت ما تبقى في قلبها من حنانٍ بفعل الزمن، وأختها التي تكبرها أرقدها أبوها داخل ما أسماه منزل خشية الوقوع في الرذيلة والعار. مهدومة شخصيتها ومعدومة طموحاتها، جالسة وحيدة خلف الجدران. خشيتْ "دلال" أن يتخذ أبيها في حقها نفس القرار فلاذت بالفرار.

استجارت بالمدرسة التي طُردتْ منها من قبل فوجدتها مرة أخرى مقفلة؛ فالمدرسة للأناس المجتهدة، الشريفة، المتعلمة، و"دلال" كما عهدوها سوقية، حقيرة متمردة. خرجتْ "دلال" من المدرسة وأقفلوا خلفها الباب وبإقفالهم ذاك الباب فُتِحتْ أمامها للفساد أبواب. عاشتْ دهراً خلف تلك الأبواب وبعد حدوث الضياع هبتْ في أبيها روح الشرف والنخوة، وكما الرجل الشرقي كان لابد أن يثبت غيرته ورجولته وحمايته لشرفه وعرضه وهذا الشعور لن يتحقق إلا بأن يُحنِّي يديه بدماءِ تلك الفتاة الساقطة التي كلما تذكرتها ما رأيتُ فيها إلا صورة طفلة بريئة طاهرة لها عينان تبحثان عن مأوى في القلوب والعيون الجائرة، لكن الدنيا تجبرت عليها وتخلى كل من حولها عن دوره إلا زوجة الأب التي أدتْ دورها بمهارةٍ فائقة.

لو تربتْ "دلال" في رقعة قماشٍ زاهية، هل ستنتهي بها الأمور إلى امرأة فاسقة ؟
هل هى من تستحق الاغتيال أم ظروف المجتمع الجائرة ؟
مِنْ المسئول عن سوقيتها وفسادها، أباها؟ أم زوجته؟ أم أمها؟ أم معلماتها؟
أم مدرستها؟ أم الدنيا الواسعة؟
لو كنت أنت القانون مَنْ ستُحاسب؟ ومَنْ سيدفع الثمن؟
أجابني المجتمع ببرود مشاعر: "إن كلمة لو تفتح عمل الشيطان. كما أن مثلها ليس له ثمن. هذا هو الواقع اقبله ولا تجادل."

لا اعلم ماذا حلَّ بـها، لكني منذ أيام رأيتُ أباها يمشي مختالاُ فأيقنت أنه غسل عاره، فليس للشرقي أن يتبختر بمشيته إلا بعد أن يُحنِّي يديه بلون الدم ويختم كفَ يدٍ بنفس اللون على باب بيته.
زينة زيدان
فلسطين


-----------------------------------------------------------------------------------


1 comments:

أبو حسام الدين يقول...

المجتمع فعلا لا يرحم، لكن لا نبرر موقف دلال مثلا لأنها تميز ما بين القبيح والحسن.

إرسال تعليق