يحكى أنه كان هناك مجموعة من الثيران اجتمعوا على إحدى الشواطئ التي تصادف أن مرت عليه سفينة ضخمة يوجد عليها كمية كبيرة لا تنتهي من الكنوز والخيرات، فركبت تلك المجموعة من الثيران في تلك السفينة، وبدأت السفينة تتنقل بين الموانئ حاملة الثيران على ظهرها، وفي كل ميناء يركب مجموعة من الحيوانات الأخرى مع الثيران بينما قد يغادر السفينة عدد من الثيران التي كانت موجودة على السفينة منذ البداية، وكان الود والتفاهم والمحبة يسود ركاب تلك السفينة سواء من الثيران الذين اقاموا في تلك السفينة منذ البداية أو من الحيوانات الأخرى التي انضمت للسفينة في رحلاتها الطويلة، وكان من نتيجة زيادة عدد الركاب على السفينة وتنوعهم أن تطور وعي هؤلاء الركاب وقاموا باختيار قائد للسفينة وفريق من الحكماء ونظام لكل صغيرة وكبيرة على السفينة بما يضمن للسفينة استمرار تلك الحالة من الود بين كل الركاب لا سيما مع التغير المستمر في نوعية الحيوانات التي تنضم إلى أو تغادر السفينة، وكان الملاحظ أن الثيران ظلوا يمثلون الأغلبية على تلك السفينة مهما تغيرت تركيبة الحيوانات على ظهرها.وفي رحلة من تلك الرحلات التي تجوب فيها السفينة الموانئ متنقلة بين بلد وأخرى وحضارة وأخرى، رست السفينة على إحدى الموانئ في بلاد لا يسكنها إلا الذئاب، وكان هذا الجنس من الحيوانات غير معروف من قبل لجميع الحيوانات التي عاشت على ظهر السفينة حيث كان يتميز بقدر كبير من المكر والغدر على الرغم مما يبدو عليه هؤلاء الذئاب من وداعة وطيبة وبراءة، وحدث تعامل طبيعي بين هؤلاء الذئاب وبين ركاب السفينة، وكان من نتائج ذلك التعامل أن فطن الذئاب إلى أن تلك السفينة يمكن أن يستفيدوا كثيرا منها ويربحوا من ورائها ويستفيدوا من خيراتها الكثير لو نجحوا في السيطرة عليها، فقرروا أن ينضم فريق من هؤلاء الذئاب إلى ركاب السفينة، وفي نفس الوقت يستضيف هؤلاء الذئاب عددا من الثيران ممن يقيمون على السفينة، وبعد فترة التوقف الطبيعية غادرت السفينة ذلك الميناء، بعد أن استقبلت عددا من الذئاب ليكونوا من بين ركابها وفقدت كمية من الثيران في ذلك الميناء.
وكان واضحا أن هناك خطة محكمة بدأ الذئاب في تنفيذها لفرض سيطرتهم على السفينة، وحدث أن فطن الثيران الذين يحكمون السفينة إلى تلك المخططات، فبدأوا بمحاصرتها ومحاصرة ذلك الجنس الغريب الذي انضم حديثا للسفينة، ولكن بعد فترة من هذا التعامل الرائع من الثيران مع الدخلاء المفسدون من الذئاب، وجدوا أنفسهم يقتربون من ميناء جديد، فإذ به ميناء على أرض الذئاب أيضا، ليحدث على ذلك الميناء نفس التعامل الذي حدث في الميناء الأول، وينتج عنه نفس النتائج.
واكتشف ركاب السفينة بعد تكرار رسو سفينتهم على موانئ الذئاب أن سفينتهم قد ضلت سبيلها وسط البحر الواسع، وأنها في فترة زمنية سابقة قد دخلت بين أرخبيل من الجزر الكبيرة التي تحيط ببحر شبه مغلق لا يوجد فيه إلا هذه الجزر المتناثرة مشكلة هذا الأرخبيل الذي يعرف في عالم البحار بأرخبيل الذئاب أو "متاهة الذئاب"، وسمي هذا الأرخبيل بهذا الإسم لأن أي سفينة تدخل إلى هذا الأرخبيل فإنها لا تستطيع بسهولة الخروج منه والعودة مرة أخرى للمحيط، حيث تكون الممرات المائية بين جزر الأرخبيل أشبه بالمتاهة، ولا يمكن لأي من البحارة مهما كان ماهرا الخروج من هذه المتاهة إلا بعون من أحد من الذئاب الذين يسكنون هذا الأرخبيل، وطبعا فإن الذئاب لا يقومون بإرشاد السفن التائهة لطريق الخروج من المتاهة أبدا حتى يستفيدوا من الخيرات التي توجد على ظهر السفن التي تدخل تلك المتاهة عن طريق الخطأ، مستغلين ضرورة رسو السفن في موانئ الأرخبيل للتزود بما يحتاجه ركابها من طعام ومياه.
وبتكرار رسو سفينة الثيران على موانئ الذئاب ازداد عدد الذئاب الذين يقيمون على ظهر السفينة، وصار لهم قوة، وكلما حاول الثيران التخلص من سيطرة الذئاب على سفينتهم فشلت مساعيهم بسبب لجوءهم للرسو على موانئ الذئاب للتزود بما يحتاجونه من الطعام والماء وعدم قدرتهم على منع الذئاب من دخول السفينة وعدم قدرتهم على منع الثيران من النزول من السفينة منبهرين بالحضارة والتطور الموجودين على جزر الأرخبيل الكثيرة التي تتوقف فيها السفينة، وبعد فترة أعلن الذئاب احتلالهم وسيطرتهم على السفينة لتنشب حرب عظيمة على ظهر السفينة، انتهت بإعلان سيطرة الذئاب على السفينة على الرغم من قلة عددهم مقارنة بعدد الثيران، وكان العامل الرئيسي في انتصار الذئاب هو ذلك الدعم الدائم الذي يحصلون عليه من أقرانهم الذئاب ممن يقيمون على الجزر التي تمر السفينة عليها مجبرة.
وظل الحال كذلك، والثيران يرفضون سيطرة الذئاب على سفينتهم ويحاولون بشتى الطرق طردهم من سفينتهم، وبعد فترة من الزمن شعر الذئاب بمدى صعوبة استمرار وجودهم على ظهر السفينة في ظل الرفض الشديد والمقاومة القوية التي يمارسها الثيران ضدهم، فبدأوا يغيرون خطتهم للسيطرة على السفينة، ولجأوا إلى حيلة أشد مكرا تتمثل في استقدام الثيران التي كانت قد غادرت السفينة من قبل إلى جزر الذئاب التي صارت تعرف بإسم "الثيران المذئوبة"، وإعادة تسكينهم على السفينة مرة أخرى، وفي هذه الحالة فإن هذه الثيران المذئوبة التي عاشت على جزر الذئاب وتشبعت بفكرهم وتقاليدهم سوف يكونون أقرب لثيران السفينة الأصليين من الذئاب، على أن يعمل الذئاب على تدعيم مواقف الثيران المذئوبة الوافدة بين أفراد السفينة، ودعم وصولهم إلى رأس السلطة على السفينة، وبذلك يكون لهم القدرة على إدارة السفينة حتى بعد أن يتركوها ويرحلوا عنها متظاهرين بأنهم قد منحوا الاستقلال للسفينة وأعادوها إلى أهلها من الثيران مرة أخرى.
وبعد فترة من الزمن قرر الذئاب الرحيل من على ظهر السفينة وتسليمها لسكانها الأصليين من الثيران، وطبعا فقد اختاروا الثيران المذئوبة كما هو مخطط ليتسلموا منهم مقاليد الحكم على السفينة، وفي البداية لم تشعر الثيران الأصيلة من سكان السفينة بوجود فرق بينهم وبين تلك الثيران المذئوبة التي عادت إلى سفينتهم بعد فترة من الغياب على جزر الذئاب، ففرحوا بهم وظنوا أن سفينتهم قد عادت إليهم مرة أخرى وعادت لهم السيطرة عليها مرة أخرى، وأعلنوا استقلالهم عن الذئاب، وأقيمت الأفراح والأعياد ابتهاجا بذلك الحدث العظيم، وطبعا كان للثيران المذئوبة الدور الأكبر في تقوية الشعور الكاذب بالاستقلال لدى ركاب السفينة.
وبمضي الوقت اكتشفت الثيران الأصيلة أن تلك الثيران المذئوبة تدير السفينة وتقودها بنفس طريقة السلب والنهب التي كان الذئاب يمارسونها أثناء سيطرتهم على السفينة، وأن شيئا ما لم يتغير في إدارة السفينة، بل إن الأمر ازداد سوءا بسبب أنه صار من الصعب جدا التفريق بين الثيران الأصيلة التي لم تتغير والثيران المذئوبة التي صارت ذئابا في صورة ثيران.
وظل الأمر كذلك على السفينة بين محاولات مستمرة للسيطرة من قبل الثيران الأصيلة على قيادة السفينة، وبين استمرار الثيران المذئوبة في سلب خيرات السفينة واقتسامها مع الذئاب، وظل العامل الأساسي في بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم قدرة الثيران الأصيلة في استعادة السيطرة على السفينة مرة أخرى هو بقاء السفينة داخل تلك المتاهة، واحتياجها الدائم للرسو على أحد الموانئ كل فترة للتزود باحتياجاتها من الطعام والماء، ومع ذلك التزود تأتي السيطرة غير المباشرة للذئاب على السفينة عن طريق دعمهم المستمر للثيران المذئوبة، وقطعا فإن الذئاب ظلوا يعملون على إزالة أي فرصة لتلك السفينة للخروج من المتاهة، متاهة الذئاب.
فلو أن الثيران نجحوا في إخراج سفينتهم من ذلك الأرخبيل المغلق المعروف بإسم متاهة الذئاب، لتخلصت السفينة بالكامل من سيطرة الذئاب وأتباعهم من الثيران المذئوبة، ولأمكنها المحافظة على الكنوز والخيرات الكثيرة على ظهرها من السلب والنهب المنظم، ولتمكنت الثيران الأصيلة من استعادة السيطرة على السفينة وإعادة جو الود والتفاهم والمحبة الذي كان سائدا في الماضي بين جميع أجناس الحيوانات المقيمة على ظهر السفينة، ولنجت السفينة ونجوا جميعا!!!
مجموعة أخرى من الثيران الأصيلة بدأت توجه اهتمامها بشدة في سبيل النجاة بالسفينة بضرورة إستعادة الروح الأصيلة في من باتوا يعرفون بالثيران المذئوبة وعدم التخلي عنهم وتركهم فريسة لأفكار دخيلة وعقائد خارجية فاسدة وهدامة، فإن التفريط في ثور واحد من هذه الثيران صار أمرا غير مقبولا بالمرة، فالسفينة يجب أن تتسع للجميع ويجب ان يعيش فيها الجميع، سواء من كان ماضيه سيئا أو من كان ماضيه أصيلا.
في ليلة تجمع فيها ثيران السفينة، ورفعوا جميعهم أكف الضراعة لله ان يهديهم إلى سواء الصراط، وينجحوا في الوصول إلى الطريق الصحيح الذي يخرجهم من هذه المتاهة، فلا يصبحوا مرغمين على الاعتماد على عدوهم.
بهـــاء
0 comments:
إرسال تعليق