كان أكبر خطأ وقعت فيه بعض الوجوه المصرية البارزة أيام ثورة يناير هو نظرتهم إلى آراء الأشقاء العرب في الثورة، مستغربين ردة الفعل من هؤلاء الذين يعيشون في بلد آخر غير هذا الذي كان يمور بطوفان الثورة.
ضيق الأفق، وقلة الإدراك هما ما خلقا نظره هذه الوجوه البارزة كليلة، ولم يفطن أحدهم أن نجاح الثورة في مصر يعني اشتعالها في باقي بلدان الوطن العربي، ومن ثم نجاحها.
لذا فإن ما يحدث في تونس من تداعيات ترهص لمرحلة قادمة، لابد أن يشغل بال القاطن في الكويت، غير أن المستغرب هو تلك النظرة الباردة لما يحدث في سوريا.
سوريا ترتبط بمصر برباط تاريخي صنعه عبد الناصر، صحيح أنه تهاوى بعد ست سنوات، لكنه بقى في التاريخ صفحة قد تكون ساذجة، لكنها كانت حلم بوحدة الوطن العربي تحت راية واحدة.
وما دمنا أبحرنا في التاريخ، فلابد أن نصل إلى الرئيس حافظ الأسد، والذي وصل إلى سدة الحكم في الجمهورية العربية السورية عام 1970، وظل رئيساً لها حتى وفاته في عام 2000.
وبعد وفاته حدثت سابقة هى الأولى في تاريخ الوطن العربي، حيث تم تعديل الدستور السوري لخفض سن رئيس الجمهورية من 40 سنة إلى 34 سنة بإجماع من مجلس الشعب حتى يتمكن بشار نجل حافظ الأسد من تولي منصب رئيس الجمهورية، وسبق هذا التعديل أن تم ترقية بشار إلى رتبة فريق، ثم أصبح رئيساً للجمهورية السورية من العاشر من يوليو 2000،
ومع بدايات توليه مقاليد الحكم، تمتعت سوريا بقسط رحب من الحريات وهو ما عرف بربيع دمشق، وبدا أن الشاب الوسيم، الذي درس الطب وتخصص في العيون يعرف جيداً كيف تكون عيونه على شعبه، وراح يستجيب لمطالبهم، وبدأت تحدث انفراجه في الاقتصاد.
وأتخذت سوريا في عهده سياسة دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، كما عارضت السياسات الاسرائيلية والامريكية، كما انسحب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية بعد ثلاثون عاماً من وجوده بداخلها (1975 - 2005)
ولكن عندما بدأت نسائم ربيع الثورات العربية تهب على الوطن العربي، لم تسلم سوريا من هذه عدوى المطالبة بالحريات إلى جانب ليبيا، واليمن، والبحرين. غير أن المواجهات بين قوات الجيش والشرطة والشبيحة من ناحية، والثوار السوريون من ناحية أخرى لها طابع يختلف عن باقى البلدان العربية، حيث أن هذه الأجهزة القمعية تدافع عن السلطة بقوة عقائدية بحكم الانتماء إلى حزب البعث الحاكم، وهو ما يجعل هذه المواجهات تتخذ طابعاً دموياً، الخسائر فيه من طرف واحد أمام جمود عربي وعالمي لا يساند هذه الثورة فيعطي فرصة ذهبة للسلطة الحاكمة حتى تقضى على الثورة، وتفاقم هذا الحالة التي لا ترضي أحد، ولا يستطيع مخلوق أن يتكهن بما سوف تأول إليه.
هل سوف تتخذها الولايات المتحدة وحلف النيتو ذريعة لدخول سوريا؟
هل سينجع الثوار في رفع كلمتهم في هذه المعركة غير المتكافئة؟
هل سيظل بشار الأسد على موقفه، أم سيعود إلى سابق عهده، ويمنح السوريون قسط الحريات الذي يطلبونه، وخاصة الحريات الدينية للمسلمين السُنة والذين هم أغلب أهل سوريا؟
هذا ما نتمناه، غير أن طبيب العيون يبدو أنه في حاجة إلى طبيب عيون ليرى أن التغيير ناموس من نواميس الله في خلقه، وأن التاريخ أثبت أن إرادة الشعوب دائما غالبة..
ولو بعد حين.
هاني النجار
-----------------------------------------------------------------------------------
0 comments:
إرسال تعليق